قصة : جِينَاتٌ ! spanking ( ذكر/أنثى ، ذكر/ذكر ، أنثى/أنثى، أنثى/ذكر)
مرسل: الأربعاء 12 مارس 2025 10:31 pm
قصة : جِينَاتٌ ! spanking ( م/ف ، م/م ، ف/ف ، ف/م )
- بضعة تنويهات :
تنويه 1 : هذه القصة تعمد في كثير من أجزائها إلى استخدام لغة قد تعد مرتفعة قليلاً عن عربية الجرائد والصحف , فإن كان هذا مما يسوؤك / يسوءك , فقد نوهنا به .
تنويه 2 : تصوِّرُ القصة في معظمها علاقةً ذات طابع جنسي بين مجموعة من الأفراد بين ذكورهم وبين إناثهم وبين الذكور والإناث ؛ وهؤلاء تجمعهم صلة قرابة من الدرجة الأولى فيما يُشار إليه بالإنجليزية بـ Incest , فإن كان هذا مما يسوؤك / يسوءك , فقد نوهنا به .
تنويه 3 : مما تشمله تلك العلاقة ذات الطابع الجنسي ما يقترب من أن يكون ما يعرف بالإنجليزية / بالإنكليزية بـ
Erotic Spanking (/ /> فإن كان هذا مما يسوؤك / يسوءك فقد نوهنا به .
تنويه 4 : هذا العمل ضرب من الخيال لم يقع ولا أجزاؤه , ولا قَصَدَ إلى تصوير ما وقع بكليته أو بجزء منه , وشخصياته ليست محاكاة لشخصيات واقعية وأي تشابه بينها وبين أي شخصية واقعية حية أو ميتة علمنا بها أو لم نعلم محض صدفة , وأي حثٍّ على فعل أو على الامتناع عن فعل بناءً على ما في القصة مما تُوُهِّم أنه مغزى فهو غيرُ مقصود من المؤلف , وليس حثاً على الحقيقة , ومتى وقع الفعل الذي تُوُهِّم أنه حُثَّ عليه فالفعل مسؤولية / مسئولية فاعله ولا يسأل المؤلف عن ذلك .
فإن كان أيٌّ من هذا مما يسوؤك / يسوءك فقد نوهنا به .
- القصة :
1- يوشك أن يقع .. !
___________________________
- " أرجوكِ ! "
- " انزعْ كلَّ شيءٍ .. الآن!! "
يداه تحاولان إطاعةَ أمْرِها , ولكنّ عقلَه يمنعهما ...
ولمّا لمْ يقم بشيءٍ قامَتْ من جلستها على حافة السرير صوبَه , فكفّ عقلُه عن المنع , وترك يدَيه وشأنَهما ... وفي ثوانٍ كان كل ما يرتديه قد لاصق الأرض ... وهو يقف عارياً أمامَها ...
رجعَتْ لجلستِها على السرير , وبدأتْ عيناها تتفحصانه بلا خجل .... ولماذا الخجل ؟ ... هي من وَلَده ... وإن كان قد مرّ على تلك الولادة ثمانية عشر عاماً !
لقد صار صغيرُها شابًّا يافعاً ... ومثل أيّ شابّ يافع فإنه يريد تجاوزَ الحدودَ ....
كانتْ تغضّ النظر عن بعض التجاوزات الهينة هنا وهناك ... ولكنها رسمتْ في نفسِها خطّين أحمرين لن تتسامح مع تجاوزِ صغيرِها لهما : دراستُه .. وأختُه التوأم ...
- " ما الذي ترى أني سأفعله بك ؟ "
- " ما كنْتِ تفعلينه بي عندما كنْتُ صغيراً "
جاء صوتُه طفوليًّا لا يتناسب مع المنظر الذي رأتْه عندما عادَتْ من عملِها لتسمع صراخ أختِه وقد دفعها لتسقطَ على الأرض ... كان هذا خطًا أحمرَ .. وقد تجاوزه !
- " وأنت لم تعد "صغيراً" في ظنّك ؟! ومع ذلك فأنت تستغل ذهابي للعمل ثم تضرب أختَك كما لو كنْتَ طفلاً في العاشرة ؟! "
كان زوجُها قد توفّي في حادث سيرٍ قبل عشر سنواتٍ ... وقرَّرَتْ حينَها أنّ حياتَها المقسّمة بين رغباتِها وبين تفرّغِها لولديها قد انتهَتْ ... وبدأتْ حياةٌ جديدةٌ ليس فيها غيرُهما ... ولكن للأسف كان الابن لا يزال بحاجة لحزم أبيه الذي مات ، فبدأ في الثورة وعصيان الأوامر ... واضطرَتْ حينَها للعب دور الأم والأب معاً , وأن تتولى عقابَه مكانَ زوجِها ...كانتْ تلك هي بداية " جلسات العقاب " التي صارَتْ جزءًا ثابتاً من حياتِه لسنواتٍ , وإن بدأتْ في التناقص تدريجيًّا ... حتى كان آخرُها بعدما بلغ الرابعة عشرة بأيام ... والآن بعد أربع سنين يعود طفلُها للشقاوة .. وتعود هي لنفس طريقة عقابِه , وإن كانَ ما تراه أمامَها الآن يدل بوضوح على أن أربع سنواتٍ تصنع الكثير بجسد المراهق .. حاولَتْ تجاوزَ النظرَ إلى جسده الذي لم يعدْ طفوليًّا على الإطلاق , وسألَتْه :
- " هل لديك شيءٌ لتقوله ؟ "
- " أنا آسف , ولكنها هي من بدأتْ ... "
- " ما الذي قلْناه من قبلُ حول موضوع ( هي من بدأتْ) هذا ؟ "
جاء صوتُه خافتًا , وكأنه يعترض على ما يقوله :
- " أنني أنا الابن , وعليّ أن أتغافلَ عنها ... "
ثم عاد لرفع صوتِه :
- " ولكنّك لم تعاقبيها أبداً , وهذا يجرّئها على فعْلِ ما تحبّ ! "
فكّرَتْ ( بهيّة ) فيما قاله ووجدَتْه محقًّا ؛ هي لم تعاقبْ ( سوسن ) أبداً ؛ ولكنّ هذا كان مبرّرًا ؛ لقد كانتْ ( سوسن ) ملاكاً , وإن لم تكنْ في تحصيلها الدراسي متفوقة مثل ( بدر ) , ولكنها تبذل كل جهد ممكن في دراستِها , وهي لا تطالبُ ولدَيْها بأكثر من بذل الجهد , أما خارج الدراسة فلا مجال للمقارنة ؛ ( سوسن ) الملاك تطيعها في كل شيءٍ , و(بدر) _ على الرغم من محاولاتِه _ لا يزال " ثوريًّا" في أعماقه .. مثل والده !
كانتْ ( بهيّة ) قد تلهّت بأفكارها عن الإجابة على تعليق ( بدر ) فبحث عن شيءٍ آخرَ ينجيه من العقاب , وقال بصوتٍ _ كان يتمنّى أن يموت قبل أن يسمعه صادراً عنه , ولكن للضرورة أحكام _ :
- " وكنْتُ أعتقد أن الخبرَ الذي بلغَنَا قبل أسبوعين يشفع لي ! "
نظرَتْ إليه أمُّه _وقد أعادَها هذا الصوتُ إلى ذكرياتٍ بعيدة _ , وجاهدَتْ لتمنع نفسَها من احتضانه وهدهدته حتى ينام ...
أمّا ذلك الخبر المشارُ إليه فكان بالفعل شيئاً جللاً , لم تشعرْ ( بهيّة ) بمثل هذه السعادة الجارفة منذ كان زوجُها حيًّا ؛ ... فقبْلَ شهرٍ واحدٍ ظهرَتْ نتيجة الثانوية العامة ... وكانتْ فرحةً عارمةً _ على الأقل في حق ( بدر ) _ , ولكنْ قَبْل أسبوعين جاء الخبرُ الأكبرُ : لقد قُبِل صغيرُها في كلية الطب ... كانتْ سعادتُها لا توصف بهذا الخبر .. وبدأَتْ في سَبْق اسمه باللقب الرفيع ؛ دكتور , وملَّ كلُّ أقربائها وأصدقائها من حديثِها "العرضيّ" عن "الدكتور" ( بدر) , وأخبار " الدكتور" ( بدر ) .... ولكنّ هذا لا يعفي " الدكتور" ( بدر ) من تلقي نتائج فعْلتِه ؛ لقد طرح أختَه أرضاً , وعلى مدار النصف ساعة القادمة ستعمل ( بهيّة ) على أن تشكّل استجابة شرطية في ذهنه بين طرح أختِه أرضاً وبين انبعاث الألم من مؤخرتِه ...
مفهوم الاستجابة الشرطية هذه سيكون فيما يدرسه " الدكتور" (بدر) بعد شهورٍ في كلية الطب , تماماً كما درستْه والدتُه عندما كانتْ في مثل سنّه في نفس الكلية ... قبل ثلاثين سنة !
******************
الخبرُ في كلِّ مكانٍ ...
ولكنّ التفاوتَ بين أحوال المستمعين للخبر هائلة ...
هناك من دمَعَتْ عينُه ... وهناك من سجد شكْراً ....
" جيفارا مات ! "
وهناك من لم يبالِ بالموضوع كلِّه ...
ولكنّ شخصاً بعينه كان أكثر اهتماماً ممن سواه بتوابع هذا الخبر , أو للدقة : بتوابع ما قام به تعليقاً على هذا الخبر ...
هناك شخصٌ ينتظر عقاباً موجعاً على يد والده بعد قليلٍ ...
شخصٌ اسمه : ( بهيّة سالم ) ...
- " (بهيّة) ! "
جاء الصوتُ الهادرُ معلناً عن قرْبِ حدوثِ ما كانتْ تخشاه ... فتكوَّرَتْ أكثرَ في فراشِها وتظاهرَتْ بالإعياءِ ؛ لعلّ هذا ينجيها... ولكنّها تعلم أنْ لا شيءَ سينجيها ...
صوتُ أمِّها ينبعث من خارج الغرفة وهي تتوسّل لأبيها " أن يسامح البنت هذه المرة ! " , والأب يردّ بغلظة توحي بأن الأم لو استمرّت في الشفاعة فسيتسع العقاب لاثنين بدلاً من أن يضيق عن واحد ... فيسْكُتُ صوتُ الأمّ ...
بابُ غرفتِها يُفْتَح ... يشير الأبُ لأختِ ( بهيّة ) الكبيرة بأن تخرج من غرفتِهما وتغلق البابَ وراءَها .. أختُ ( بهيّة ) تنظر إليها في مواساة .. ثم تفرّ هاربةً من الغرفةِ التي صارَتْ معزولةً عن العالم الخارجي ... وليس فيها سوى الصائد والفريسة !
الصوتُ الهادرُ يعود مرّةً أخرى :
- " أريد فقط أن أعرف لماذا ؟ "
- " لقد كانتْ مجرّد دعابة , أنا لم أؤمن بحرفٍ مما كتبْتُه ! "
عاد الأبُ يزمجرُ , ورفع ورقةً في يده , وبدأ يقرأ :
( ... عندما تغرق السفينة يغرق قبطانُها معها , ولكنْ عندما تغرق السفينة وينجو القبطانُ , ثم يتظاهر بالاعتذار بينما هو قد جهّزَ مَن يقاطع اعتذارَه ليبايعه ويفدّيه ويدعو له بطول العمر ودوام السيادة ... عندها لا يصح أن يقال : ما علّة تخلفنا وما سبب نكستنا ؟ ... ولنا في موت ( جيفارا ) عبرة؛ ( جيفارا ) القبطان الذي سبق بحّارتَه لحتفه ؛ المناضل الذي ... )
قاطع الأبُ قراءتَه الغاضبة ليتوجه بسؤالٍ ناريّ لابنة الثامنة عشرة المكوّرة في سريرها أمامَه :
- " أتدرين ما الذي كان يمكن أن يحلّ بكِ لو انتشر هذا المنشور ؟! "
جاء الصوتُ المسموع بالكاد :
- " أنا لم أكتبْه لأنشرَه ! "
ويأتي الردّ الذي يصمّ الآذان :
- " فلماذا كتبتِه إذن ؟؟! "
لم يتلقّ ردّاً , إلا هينمة مَنْ هو موشكٌ على البكاءِ , فأضاف :
- " هذه هي ! لطالما كنْتِ فتاةً مؤدبة مبتعدة عن المشاكل , ولكن في الفترة الأخيرة لا أدري ما الذي حدث لكِ .... هل تدرين ما الذي كان ينتظركِ في السجن لو قبض عليكِ بهذا المنشور؟ ... لا ؟ ... حسناً سأعطيكِ فكرةً عمّا نصنعه بالمساجين السياسين ؛ حتى تعلمي خطورةَ ما فعلتِه .... وبما أنّكِ ابنتي فلن " أقسو " عليكِ ... سأكتفي بأقلّ صورة من صور عقاب المسجونين سياسياً ... الآن انهضي من السرير واصعدي للسطح وهاتي خرطوماً من هناك ... ثم سنبدأ الحفلة ! "
- " أبي , أرجوكَ ! لن أكرّرَها مرّةً أخرى ! أرجوكَ ! "
- " صدقيني ما سأفعله بكِ لمصلحتكِ ؛ إن الشباب في سنّك يحسبون الثورة عبثاً يقوم به كلُّ أحد ... ويظنون أن التهجم على القيادات موضة يقلدون بعضهم في فعلِها ... وأنا سأشفيكِ من هذا كلّه ... مع سقوط الخرطومِ على جسدكِ ستنسين كل هذه الدوافع الثورية , وتتفرغين لدراستك وأسرتك ... السطحَ ! "
- " هناك خرطوم تحت السرير ! "
- " ماذا ؟ "
- " لقد توقعتُ أن ينتهي الأمر إلى هذا , وخفْتُ أن يراني أحدٌ في النهار وأنا أجلب الخرطوم من السطح فيخمّن ما يوشك أن يقع , فصعدْتُ ليلة البارحة وجلبْتُه ووضعْتُه تحت السرير ! "
نظر الأبُ في دهشة , وهو يحاول أن يفهم ... كان ما وصل إليه _ بعد جهدٍ _ هو أن ابنته قد تجرّأتْ على كتابة ذلك المنشور ثم أرادَتْ الاعتذار عن فعلِها فوضعَتْه في حيث يراه , وأعدَّتْ آلةَ عقابِها كنوعٍ من الاعتذار وإظهار الأسف ؛ ولكنْ .. إظهار الأسف على ماذا ؟ لو لم يعثرْ هو على تلك الورقة لَمَا عَلِم بشيءٍ , ولانتهى الأمر من قبل أن يبدأ ...
- " لماذا وضعْتِ هذه الورقة على مكتبي ؟! "
فطَنَتْ ( بهية ) إلى أنّ مخطَّطَها على وشك الانكشاف , ماذا سيقول أبوها إذا اكتشف أنها خططتْ لكل هذا ؛ لأنها "راغبة" في أن يعاقبَها ! هذه كارثةٌ ! ثم اهتدَتْ لمخرجٍ ولكنه يبدو كالاستجارة من الرمضاء بالنار , ولكنْ لا سبيلَ آخر :
- " أنت ضابط في الشرطة ! "
- " ثم ؟ "
- " لقد كانتْ هذه ثورة ضباط , وربما صار الوقتُ مناسبًا لثورة ضباطٍ أخرى ! "
اتّسعَتْ عيناه في ذهولٍ , وهو الذي كان يحسبُها تعتذر , فإذا هي " في الواقع " تحاول تجنيدَه .. أيّ نية مسبقة بتخفيف عقابِها قد طارَ بها هذا الاعتراف !
أمسك ساعدَها بغلظة , ورفعها من السرير , ثم قبْل أن تدرك ما يحدث كان قد عرّاها من كل شيءٍ ؛ لو كانتْ قد سجنَتْ بتهمة محاولة تجنيد ضباط , ومحاولة قلْبِ نظام الحكم , لكان هذا أهونَ ما ستمرّ به ... ثم مدّ يده تحتَ السرير فوجد الخرطومَ كما قالَتْ ...
نظرَ في عينيها فوجدها مذعورةً ... فكّر في أنها لم تحسبْ حسابًا لكلِّ هذا , ولكنّه طيشُ الشباب ...
ثمّ رأى أن علاج طيش الشباب متوفّرٌ ويسيرٌ .. وأنه لن ينتهي اليوم حتى تكون قد عولجت به ..
************
- " ( سالم سمير ) ! "
- " أفندم ! "
- " قَسَم الشرطة ! "
تلا ( سالم ) القسم , وتناول الشهادة ...
كان ( سالم ) يتمنى هذه اللحظة طيلةَ حياتِه تقريباً ؛ أن يصير شرطيًّا في شرطة جلالة الملك !
والآن تحقق حلمه ؛ لقد صار لديه مسدسه ورتبته , وزادَتِ الهوّةُ أكثر وأكثر بينه وبين بقية الفلاحين الأميين ؛.... كان يكره هؤلاء كرهاً مقيتاً , ولكنّ فدادين أبيه لن تَزْرَعَ نفسَها ...
وعندما عاد لقصر أبيه استقبله البوّاب بلكنته الغريبة واحتفائه العاميّ , ولم يستطع أن يمنع نفسَه من الإغلاظ له في الرد , ولكنّ البوّاب كان يزداد بالجفاء حفاوةً , كأنه يرى أن كل ما يصدر عن السيّد مقبول ... بل مرغوب فيه ...
كان ( سالم ) غافلاً عن وجود أبيه في شرفة القصة على بعد أمتار منه .. يسمع ردوده الجافية على البوّابِ ... لم يكن ( سمير باشا ) يهتمّ كثيراً بمنْع احتقارِ ابنه للفلاحين , ولكنه كان يرى أنّه لا ينبغي أن يتخلى الباشا ولا ابن الباشا عن رقيّه _ حتى لو كان ذلك أثناء تعاملِه مع فلاح _... ولذلك فقد عزم على تلقينِه درسًا ... وعندما جمعهما العشاءُ تلك الليلة , وبعد أن بارك لابنه الوظيفة الجديدة _ التي كان الباشا يحتقرها سرًّا , ويرى أنها وظيفةٌ منحطةٌ _ سأله عن الحوار الذي سمعه بينه وبين البوّاب صباحاً , فردّ الابن في عدم مبالاة .. ولكنّ الأب ألحّ عليه في تفسير الطريقة التي تكلم بها مع البواب , فجاء جواب ( سالم ) مستغرباً :
- " إنه بوّاب , وليس ابن ذواتٍ .. أعتقد أنه كان مسروراً حتى بتعنيفي له "
- " هو ليس ابن ذواتٍ , ولكنك أنت ابن ذواتٍ , والحوار علاقة بين طرفين ! "
- " ما الذي كان يفترض بي أن أصنعه ؟ أن أكلمه بالإنجليزية ؟! "
كان الباشا يكره الطريقة الساخرة التي يجيبُ بها ابنه على أسئلتِه , ولذا فقد أمضى عزمَه على السير في هذا الطريق حتى النهاية :
- " على ذِكْرِ الإنجليزية , أتعرف أنني حللْتُ ضيفاً على أحد اللوردات الإنجليز في سفري الأخير ؛ اللورد ( بليذن ) , إنه زميل دراسة , لقد حكيْتُ لك عنه ... ومعك حقّ : إن هؤلاء القومَ آيةٌ في الرقيّ والحضارة والأخذ بأسباب المدنية ... ولكنّي كنْتُ دائماً ما أتساءل كيف تُمْنَحُ الحضارة والرفاهية لشخصٍ ما ثم يجد بعد ذلك دافعاً للعمل والاجتهاد والمحافظة على مكانته ومكانة مجتمعِه ... في الواقع لقد شكوتكَ صراحةً للورد ( بليذن ) , وما أنت عليه من استهتار وعدم احترامٍ معي , فكان ردّه الهادئ هو : ما نوع العقاب الذي تستعمله لتأديبِه ؟ ... فظنَنْتُ أنه نَسِي أنك شاب في العشرين , فأخبرْتُه بذلك , فقال إنه يعرف ذلك , ولكنّه لا يزالُ يؤدِّبُ ابنَه وابنتَه وهما تقريباً في نفس السنّ ... وأنه خلافاً لما يعتقد البعض فإن الشاب أو الفتاة يكونان أحوج للعقاب في تلك الفترة , ولكن أولياء الأمور نادراً ما يتنبهون لذلك ... في الواقع لقد أصرّ على أن يريَني بنفسه كيف يعاقب ابنَه _ الذي يبدو أنه فعل ما يستحق العقاب _ أمام عينيّ , وكنْتُ أنا بالطبع محرجاً من ذلك , ولكن أمام إصراره فقد وافقْتُ على دعوتِه تلك , وبعد أن رأيتُ عقابَ ابن اللورد أستطيع أن أقول إن ذلك قد أجاب على سؤالي القديم حول ما يمنع الأشخاص _ خصوصاً الشباب _ من الانجراف إلى اللذائذ والانغماس في الرفاهية بالرغم من توفر أسبابِها لديهم "
نظر ( سالم ) في ضيقٍ إلى والدِه , وقد ساءه ما سمعه , وبدا أنه يعرف إلى أين يتجه هذا الحوار , ولكنّه قرّر أن يسأل على أية حال :
- " ما هو بالضبط العقاب الذي عاقب به اللورد ابنه ؟ "
- " أعتقد أنه من الأفضل أن أريك عمليًّا , بدلاً من أن أشرح لك كلاماً ؛ ففي النهاية إن طريقة كلامك مع البوّاب اليوم ذنبٌ كافٍ موجبٌ للعقوبة ... هل فرغْتَ من تناول طعامِك ؟ "
نظر ( سالم ) في قلقٍ , وهو لا يدري إن كان والده يمزح أم لا , ثم قال :
- " ستريني عمليًّا , الآن ؟ بعد أن أفرغ من طعامي ؟ ألا يمكنك أن تنتظر إلى الغد ؟ "
- " إن مما قاله اللورد ( بليذن ) : إنه كلما تأخر زمان العقوبة عن زمان الذنب , كلما قلَّتْ فاعليّة العقاب , وأعتقد أنني لا أريد أن يكون أول عقابٍ لك عديمَ الفاعليّة !"
- " في الواقع أنا لم أشبع بعد ! "
- " ولن تشبع أبداً , ما دمْتَ تعلم أنّه بعد الشبع يأتي العقاب المستحقّ ... لذا فدعْ لي أنا تقديرَ شبعِكَ الذي أرى أنه تحقق ... وأرى أن هذا هو وقْتُ الانتقال إلى سريرك وانتظاري هناك حتى آتي لأعاقبكَ ! "
كان ( سالم ) لا يصدّق أذنيه ؛ لقد كان يعتقد أن العقابَ سيكون حرماناً من مصروفٍ , أو حتى إذلالاً بطلب تنظيف القصر أو زراعة الأرض , ولكنّ " انتظرني في سريرك حتى آتي لعقابك " هذه لا تتناسب إلا مع شيءٍ واحدٍ ...
- " إن لم تنتقل لسريرك الآن , وترتقِبْ عقابَك عارياً كما ولدتْك المرحومةُ أمُّك ، فسأعاقبك هنا على مرأى ومسمع من الخدم "
كان صوتُ الأب مرتفعاً , وفكّر ( سالم ) أن الجميع قد سمعوا التهديدَ , ولم تفتْه صوتُ الضحكاتِ المكتومة , وخاف إن تأخر في الاستجابة لأمر والده أن يشهد الخدمُ عقابَه صوتاً وصورةً , فهرع إلى سريرِه , وانتظر هناك لوهلة , ثم تذكّر تمام جملة والده فاحمرّ خجلاً , وهو ينزع عنه كل خيط من ملابس ثم يجلسُ على السرير فينضغطُ ردفاه العاريان على الملاءة الباردة ...
وعندما انفتح البابُ بعد دقائق ... توقف قلْبُ ( سالم ) عن النبض لجزء من الثانية وهو ينظر إلى الباب المفتوح... ؛ هذا هو والده لا شك فيه , ولكنّه ليس وحدَه!
*******
- "ستتزوجين من باشا , فماذا يبكيكِ ؟ "
- " إنه كبيرٌ في السن ! "
- " إنه في الخامسة والثلاثين ؛ وهو مع ذلك باشا ! "
- " أنا لا أريد باشا , أنا أريد شخصاً في مثل سنّي ! "
نظرَتْ ( حميدة ) إلى ابنتِها الباكية , وقالتْ :
- " ( صباح ) , يا حبيبتي , إن الزواج ليس كما يصوّر في الروايات ؛ إنه علاقة احترام وتفاهم في المقام الأول , وفارق السن لا يحول دون الاحترام والتفاهم ... ثم إنه .. "
- " باشا , أعرف ! .. وأنا بنت أفندي موظف بسيط , والفارق بين هذين يساوي في عملة السنين خمس عشرة سنة ! "
- " إن لم ترغبي في زواجه , فلا تتزوجيه , ولكنْ لا تتحدثي عن أبيكِ بهذه الطريقة ! "
نظرَتْ إليها ( صباح ) في غضبٍ , وقالَتْ :
- " لماذا لم تتزوجي أنتِ الأخرى باشا , بدلاً من أبي ... فأصيرَ أنا بنت باشا وأتزوج شخصاً لا يكبرني بخمس عشرة سنة ! "
كانتْ ( حميدة ) تحاول إمساكَ أعصابِها , ولكن ( صباح ) دائماً ما كانتْ تنجح في إثارة جنونِها ... اليومَ يتقدم لها باشا , و للمرة الأولى تشعر ( حميدة ) أن هناك فرصة فعليّة لابنتها لترقى السلم الاجتماعي ؛ إن ابنتها تقرأ وتكتب وتجيد الكلام المزوّق ؛ فهي صالحة لحياة القصور .... ولكن الفتاة الطائشة تريد شاباً ممن تقرأ عنهم في تلك الروايات السخيفة ... وتحاول الأم مرةً أخرى أن تسلك مسلكاً عقلانيًّا :
- " لماذا لا تقابلينه بدايةً ثم تقررين فيما بعد إن كنتِ موافقة أم لا ؟ "
- " لسْتُ موافقةً من الآن , فما الداعي للمقابلة ؟ "
- " لعله يعجبكِ ؛ مع السنّ تأتي الحكمة والوقار ! "
- " فليتزوج مَن هي في سنّه إذاً ؛ طلباً للحكمة والوقار ! "
لم تدْرِ ( حميدة ) ما الذي تصنعه بهذه الفتاة , فقالَتْ :
- " على أية حالٍ لقد وافق أبوكِ ؛ فرأيكِ تحصيل حاصل , فبإمكانكِ أن تفرحي بزفافك إلى باشا , وتعيشي حياة هانئةً , أو تجعلي اعتراضاتك البلهاء حائلاً بينك وبين السعادة ؛ الخيار لكِ ! "
- " هذا هو الاختيار ؟! لقد اخترنا لكِ وافرحي _ رغم أنفكِ _ , أو احزني على عدم امتلاكك لأمر نفسكِ ؛ لك الخيار ! بالمناسبة إن المأذون يسأل عن موافقة العروس , وإذا قلْتُ لا فلن يتم العقد ! "
- " سنعقد الزواج بدون مأذون إذن ، ثم هل أنتِ من الحمق بحيث تفعلين ذلك ؟ تردّين كلمةَ أبيكِ بعد أن زوّجَكِ ممن ارتضاه لكِ ؟ "
- " المفروض أن يكون الرضا منّي أنا ! "
- " وما الذي لا يرضيكِ فيه ؟ "
- " إنه في الخامسة والثلاثين ! "
- " أكنْتِ لِتَرْضَيْ به لو كان في الخامسة والعشرين ؟ "
- " نعم ! "
- " ماذا عن الثلاثين ؟ "
- " نحن لا نفاصل في سوق الخميس ! إن خمس عشرة سنة فارق كبيرٌ ! مهما رفعْتِ السعرَ تدريجيًّا فلن أشتري ! "
فطنَتْ أمُّها إلى فكرةٍ مخيفةٍ فسألَتْ :
- " هل هناك شخصٌ آخـ .. "
- " لا ! لا يوجد شخصٌ آخر , أنا لا أخرج من البيتِ ؛ من أين سيأتي شخصٌ آخرُ ؟! كل ما أريده أن أتزوج شخصاً مناسبًا ؛ وليس شيخاً فانياً ! "
- " حدِّقي في عينيّ ! "
كانتْ ( صباح ) تكره هذه الجملة عندما تقولُها أمُّها ؛ قد تكون أمُّها أميّة أو ساذجةً حتى , ولكنّها تستطيع شمّ الكذب من أميال ؛ خصوصاً إن كانَتِ الكاذبةُ ابنتَها ... رفضَتْ ( صباح ) أن تنظر إلى عيني أمِّها , فقالَتْ ( حميدة ) :
- " إن لم يكنِ السببُ وجودَ شخصٍ آخرَ ,وليس ما تظاهرْتِ به من فارق السنّ , فما علة رفضكِ إذًا ؟ ... هل تعتقدين أن إحداهنّ قد سحرَتْكِ أو عانتْكِ ؟ "
- " سحرَتْني حتى لا أتزوج هذا المرفّه ؟ لقد خدمَتْني إذًا ! "
- " هذا هو السبب إذن ؛ المرفّه ! "
- " لا , هذا ليس السببَ ؛ إنها مجرد صفة .. "
- " هذا هو السبب : أنتِ تريدين شخصاً يهزّ بك السريرَ , وليس ... "
- " أمّي !! "
- " هل هذا هو السبب ؟ لماذا لم تصارحيني ؟ "
نظرَتْ ( صباح ) إلى أمِّها في غضبٍ , ثم قالَتْ :
- " حسناً ؛ أنا أريد شخصاً إذا جاء الليلُ عاملني كما تعامل فتياتُ الهوى , فإذا طلع الصباحُ صرْتُ أنا من بناتِ الناس وصار هو من أهلِ الإتيكيت ! "
ابتسمَتْ أمُّها, ثم قالَتْ :
- " صار من أصحاب ماذا ؟ "
ردَّتِ الابنةُ في سخرية :
- " الإتيكيت ؛ إنه لقب لرجال القانون في فرنسا ! "
فأجابَتِ الأم في غبطة بمعرفة ابنتِها الواسعة :
- " فعلاً : العلم نورٌ ! "
شعرَتْ ( صباح ) بالاستياء بمجرّد صدور التعليق البريء من أمِّها ... ثم إن أمَّها فطَنَتْ إلى ما حدث , فقالَتْ :
- " لا علاقة له بالقانون . أليس كذلك ؟ "
- " لا ! إن له علاقة بالأكل والشرب والرقص وأشياء أخرى .. "
- " رقص ؟! "
- " على أية حالٍ ؛ أنا أتفهم أن والدي قد أعطى الرجل .. "
- " الباشا ! "
- " ..الباشا موافقتَه , ولكني لا أرغب في أن أعيش بقية حياتي مقيّدة بقيود اللباقة وسعادتَك وسعادتِك ؛ على الأقل ليس في غرفة النوم ... "
- " سأقاطعكِ هنا لأخبركِ بخبر كان متوقّعاً أن يزهّدكِ في الباشا , ولكنْ : محاسنَ الصدفِ ! "
- " ماذا ؟ "
- " إن الباشا طلّق ثلاث زوجاتٍ من قبل ! "
- " أمن المفترض أن يكون هذا شيئاً جيداً ؟ "
- " عندما سمعْتُ بهذا الخبر للمرة الأولى قلْتُ في نفسي : فلتذهب الباشوية إلى الجحيم , ما دام الرجل مطلاقاً فلن أكون سبباً في كساد سوق ابنتي بزواجها منه ثم طلاقها بعد ذلك وزُهْدِ الرجال فيها ... ثم رأيْتُ أن أسأل عن أخبارِه فعلمْتُ أن زوجاتِه الثلاث الأول كنَّ جميعاً من بنات الشأنِ أو المرفّهاتِ ؛ فكرهْنَ منه ما تمنيْتِه أنتِ , وطلبْنَ الطلاقَ ... ولو لمْ تفاتحيني أنتِ في الموضوع لفاتحْتُكِ أنا فيه ! "
- " ما الذي كرهْنَه بالضبطِ ؟ "
- " ما يصنعه رجالُنا البسطاء بنا منذ بدء الخليقة ؛ أنْ يُشْعِرَ الرجلُ المرأةَ بأنوثتِها ! "
تورّد خدّا ( صباح ) فقرَّرَتِ الأم أن تتمادى :
- " لا يصحّ مثلاً أن يفاجئ الرجلُ زوجتَه وهي ترتدي ملابسِها , فيصنع مثلما يصنع هؤلاء المخنّثون المتأنقون فيتنحنح ويطلب المعذرة وينسحب ، بل عليه أن يستمتع بما هو حقّه , فيقبض على هذا ويضرب على ذاك ... "
- " أمي !!! "
- " أنا لا أفهم كيف يعيش هؤلاء الباشوات حياتَهم بهذه الطريقة , ولكنْ بما أنّ هذا الباشا بالذات لم يفقد عقلَه في المسائل الزوجية , ولا يزال يرغبُ فيما نرغب نحن فيه , فأنا لا أرى داعيًا لردِّه بعد أن وافق عليه أبوكِ . أليس كذلك ؟ "
- " حسناً ... إنني لا زلْتُ بحاجةٍ إلى أن أقابلَه أولاً ! "
تجاهلَتِ الأمّ تعليق ابنتِها _ فقد أدركَتْ من نغمة كلامِها أنها قد وافقتْ سلفًا _ وأضافَتْ :
- " وبذا يبقى لنا موضوعٌ آخرُ : لقد رفضْتِ مصارحتي بعلة رفضكِ للباشا , وظللْتِ تلفين وتدورين ... ثم هزأتِ بأمِّك البسيطة غير المتعلمة وجعلْتِ الكتاكيت تدخل في القانون .. "
ضحكَتْ ( صباح ) رغمًا عنها , فأضافَتْ أمُّها :
- " من حسن الحظ أنّ القصص التي أذاعتْها طليقاتُ زوجك المقبل قد شملَتْ شيئاً صالحاً لأن يكون عقاباً لكِ على ما فعلتِه قبل قليلٍ ! "
نظرَتْ ( صباح ) في دهشةٍ لأمها , فأضافَتْ الأم :
- " وفقًا لما بلغني من تلك القصص : فعندما تشغبين على زوجك في المستقبل , فإنه سيصنع بكِ آنذاكَ ما سأفعله بكِ الآن .. مع خلافٍ في الدافع بالطبعِ ؛ هو يريد منك ما يريده الرجل من زوجتِه بالإضافة لتأديبك , وأنا لا أريد سوى تأديبِك ! والآن انزعي ملابسَكِ ! "
- " عندما يؤدبني سيطلب مني أن أنزع ملابسي ؟ "
- " هل بدأ خيالُكِ في التحليق من الآن ؟ وفقاً لروايات المطلقات ؛ فإنه يصرّ على نزعِها بنفسه "
كانتْ ( صباح ) تتمنى أن تنفرد بنفسِها لتنشغل بتصوّر المشهد , وما ينشأ عن تصّور المشهد ... ولكنّ أمَّها كانتْ مصرّة على معاقبة ابنتها " طويلة اللسان " في التوّ ..وبدأتْ تمدّ يدَها تجاه ملابس ابنتِها , فقالتْ ( صباح ) :
- " مهلاً .. مهلاً ... دعينا نفكِّرْ عقلانيًّا في الأمر ... لقد أوصلْتِ فكرتَكِ .. كان ينبغي أن أصارحَكِ ... لا حاجةَ الآن لهذا العقاب ! "
- " إن العقابَ لم يبدأ بعد يا طفلتي ! "
كانتْ ( حميدة ) قد رفعَتْ عباءة ( صباح ) حتى وصلَ ذيلُها إلى ذراعي ( صباح ) , فأثارَتْ الحركةُ أشجاناً قديمة لديهما جميعاً ... وابتسَمَتْ ( حميدة ) وهي تقول :
- " آخر مرّة قمْتُ فيها بهذا الفعلِ , كنْتِ تشتكين من أن الماء سيكون بارداً وأنّكِ لسْتِ بحاجة للاستحمام ! ... ارفعي ذراعيكِ ! "
أطاعَتِ البنتُ طلبَ أمِّها , ثمّ قرَّرَتْ أن تلعبَ الدور :
- " ولكنّ الماء بالفعل باردٌ , وأنا أكره الاستحمام ! "
كانتِ العبارةُ مألوفةً في أذن ( حميدة ) , ولكن الصوتَ قد تغيّر والجسد قد تغيّر ؛ وإن كانَتِ الشقاوةُ على حالِها ...
وعندما أكمَلَتْ ( حميدة ) تعريةَ ابنتِها , جرَّتْها فاسْتَجْرَرَتْ لها , فبلغا سريرَ البنتِ فجلسَتِ الأمّ وأجلسَتِ ابنتَها في حجرِها مستقبلةً الأرضَ بوجهها , وعاليةً مؤخرتُها في السماء , وقد حاكى لونُ خدّيها ما يوشك أن يتلوّن به ردفاها ..
وكانتْ ( صباح ) منشغلة بخجلها من الموقف , ولكنّ شهقة بكاءٍ قد أعادَتِ انتباهها إلى أمِّها , فأدارَتْ رأسَها لتنظر إليها , فوجدَتْها تبكي , ولم يكنْ يخفى على ( صباح ) الدافعَ , ولكنّها قالَتْ :
- " لِنأملْ ألا يرى زوجي فيّ ما يبكيه هو الآخر ! "
فضحكَتْ ( حميدة ) , وقرَّبَتْ يديها من بعضهما وكأنها تحاول أن توصل المعنى بالإشارة لأن الدموع تمنعها من الكلام , ففسَّرَتْ ( صباح ) حركتَها :
- " لقد كنْتُ _في يومٍ ما_ بهذا الحجم الذي تشيرين إليه بيديكِ... هذا هو ما يبكيكِ ؟ "
هزّتْ ( حميدة ) رأسَها قبولاً , فأضافَتْ ( صباح ) :
- " وما زاد فيّ طولاً في تلك الفترة , زاد فيكِ عرضاً , فكلانا قد تغيّر ! "
بعض الأشخاص لا يوجد لديهم أدنى إحساس بالمتغيّرات الخارجية وضرورة التواءم معها ؛ لقد كانت ( صباح ) معتادةً على هذه المداعبات مع أمِّها , ولكنها ستكتشف قريباً جدًّا أن هناك فارقاً بين أن تتحامق على أمِّها وهما جالستان كاسيتان يتناولان الطعام , وبين أن تفعل ذلك وهي ممددة عريانة ومؤخرتها قد صارَتْ دعوةً مفتوحةً لكفّ أمها لتقلنها درساً ...
فارق ضخم بين الحالتين , فارق شديد الاحمرار وشديد الألم .. وشديد القدرة على تذكير الشخص بما فعله في كل مرة يحاول أن يجلس فيها !
**************
2- كان وشيكاً , فوقع !
___________________________________
- بضعة تنويهات :
تنويه 1 : هذه القصة تعمد في كثير من أجزائها إلى استخدام لغة قد تعد مرتفعة قليلاً عن عربية الجرائد والصحف , فإن كان هذا مما يسوؤك / يسوءك , فقد نوهنا به .
تنويه 2 : تصوِّرُ القصة في معظمها علاقةً ذات طابع جنسي بين مجموعة من الأفراد بين ذكورهم وبين إناثهم وبين الذكور والإناث ؛ وهؤلاء تجمعهم صلة قرابة من الدرجة الأولى فيما يُشار إليه بالإنجليزية بـ Incest , فإن كان هذا مما يسوؤك / يسوءك , فقد نوهنا به .
تنويه 3 : مما تشمله تلك العلاقة ذات الطابع الجنسي ما يقترب من أن يكون ما يعرف بالإنجليزية / بالإنكليزية بـ
Erotic Spanking (/ /> فإن كان هذا مما يسوؤك / يسوءك فقد نوهنا به .
تنويه 4 : هذا العمل ضرب من الخيال لم يقع ولا أجزاؤه , ولا قَصَدَ إلى تصوير ما وقع بكليته أو بجزء منه , وشخصياته ليست محاكاة لشخصيات واقعية وأي تشابه بينها وبين أي شخصية واقعية حية أو ميتة علمنا بها أو لم نعلم محض صدفة , وأي حثٍّ على فعل أو على الامتناع عن فعل بناءً على ما في القصة مما تُوُهِّم أنه مغزى فهو غيرُ مقصود من المؤلف , وليس حثاً على الحقيقة , ومتى وقع الفعل الذي تُوُهِّم أنه حُثَّ عليه فالفعل مسؤولية / مسئولية فاعله ولا يسأل المؤلف عن ذلك .
فإن كان أيٌّ من هذا مما يسوؤك / يسوءك فقد نوهنا به .
- القصة :
1- يوشك أن يقع .. !
___________________________
- " أرجوكِ ! "
- " انزعْ كلَّ شيءٍ .. الآن!! "
يداه تحاولان إطاعةَ أمْرِها , ولكنّ عقلَه يمنعهما ...
ولمّا لمْ يقم بشيءٍ قامَتْ من جلستها على حافة السرير صوبَه , فكفّ عقلُه عن المنع , وترك يدَيه وشأنَهما ... وفي ثوانٍ كان كل ما يرتديه قد لاصق الأرض ... وهو يقف عارياً أمامَها ...
رجعَتْ لجلستِها على السرير , وبدأتْ عيناها تتفحصانه بلا خجل .... ولماذا الخجل ؟ ... هي من وَلَده ... وإن كان قد مرّ على تلك الولادة ثمانية عشر عاماً !
لقد صار صغيرُها شابًّا يافعاً ... ومثل أيّ شابّ يافع فإنه يريد تجاوزَ الحدودَ ....
كانتْ تغضّ النظر عن بعض التجاوزات الهينة هنا وهناك ... ولكنها رسمتْ في نفسِها خطّين أحمرين لن تتسامح مع تجاوزِ صغيرِها لهما : دراستُه .. وأختُه التوأم ...
- " ما الذي ترى أني سأفعله بك ؟ "
- " ما كنْتِ تفعلينه بي عندما كنْتُ صغيراً "
جاء صوتُه طفوليًّا لا يتناسب مع المنظر الذي رأتْه عندما عادَتْ من عملِها لتسمع صراخ أختِه وقد دفعها لتسقطَ على الأرض ... كان هذا خطًا أحمرَ .. وقد تجاوزه !
- " وأنت لم تعد "صغيراً" في ظنّك ؟! ومع ذلك فأنت تستغل ذهابي للعمل ثم تضرب أختَك كما لو كنْتَ طفلاً في العاشرة ؟! "
كان زوجُها قد توفّي في حادث سيرٍ قبل عشر سنواتٍ ... وقرَّرَتْ حينَها أنّ حياتَها المقسّمة بين رغباتِها وبين تفرّغِها لولديها قد انتهَتْ ... وبدأتْ حياةٌ جديدةٌ ليس فيها غيرُهما ... ولكن للأسف كان الابن لا يزال بحاجة لحزم أبيه الذي مات ، فبدأ في الثورة وعصيان الأوامر ... واضطرَتْ حينَها للعب دور الأم والأب معاً , وأن تتولى عقابَه مكانَ زوجِها ...كانتْ تلك هي بداية " جلسات العقاب " التي صارَتْ جزءًا ثابتاً من حياتِه لسنواتٍ , وإن بدأتْ في التناقص تدريجيًّا ... حتى كان آخرُها بعدما بلغ الرابعة عشرة بأيام ... والآن بعد أربع سنين يعود طفلُها للشقاوة .. وتعود هي لنفس طريقة عقابِه , وإن كانَ ما تراه أمامَها الآن يدل بوضوح على أن أربع سنواتٍ تصنع الكثير بجسد المراهق .. حاولَتْ تجاوزَ النظرَ إلى جسده الذي لم يعدْ طفوليًّا على الإطلاق , وسألَتْه :
- " هل لديك شيءٌ لتقوله ؟ "
- " أنا آسف , ولكنها هي من بدأتْ ... "
- " ما الذي قلْناه من قبلُ حول موضوع ( هي من بدأتْ) هذا ؟ "
جاء صوتُه خافتًا , وكأنه يعترض على ما يقوله :
- " أنني أنا الابن , وعليّ أن أتغافلَ عنها ... "
ثم عاد لرفع صوتِه :
- " ولكنّك لم تعاقبيها أبداً , وهذا يجرّئها على فعْلِ ما تحبّ ! "
فكّرَتْ ( بهيّة ) فيما قاله ووجدَتْه محقًّا ؛ هي لم تعاقبْ ( سوسن ) أبداً ؛ ولكنّ هذا كان مبرّرًا ؛ لقد كانتْ ( سوسن ) ملاكاً , وإن لم تكنْ في تحصيلها الدراسي متفوقة مثل ( بدر ) , ولكنها تبذل كل جهد ممكن في دراستِها , وهي لا تطالبُ ولدَيْها بأكثر من بذل الجهد , أما خارج الدراسة فلا مجال للمقارنة ؛ ( سوسن ) الملاك تطيعها في كل شيءٍ , و(بدر) _ على الرغم من محاولاتِه _ لا يزال " ثوريًّا" في أعماقه .. مثل والده !
كانتْ ( بهيّة ) قد تلهّت بأفكارها عن الإجابة على تعليق ( بدر ) فبحث عن شيءٍ آخرَ ينجيه من العقاب , وقال بصوتٍ _ كان يتمنّى أن يموت قبل أن يسمعه صادراً عنه , ولكن للضرورة أحكام _ :
- " وكنْتُ أعتقد أن الخبرَ الذي بلغَنَا قبل أسبوعين يشفع لي ! "
نظرَتْ إليه أمُّه _وقد أعادَها هذا الصوتُ إلى ذكرياتٍ بعيدة _ , وجاهدَتْ لتمنع نفسَها من احتضانه وهدهدته حتى ينام ...
أمّا ذلك الخبر المشارُ إليه فكان بالفعل شيئاً جللاً , لم تشعرْ ( بهيّة ) بمثل هذه السعادة الجارفة منذ كان زوجُها حيًّا ؛ ... فقبْلَ شهرٍ واحدٍ ظهرَتْ نتيجة الثانوية العامة ... وكانتْ فرحةً عارمةً _ على الأقل في حق ( بدر ) _ , ولكنْ قَبْل أسبوعين جاء الخبرُ الأكبرُ : لقد قُبِل صغيرُها في كلية الطب ... كانتْ سعادتُها لا توصف بهذا الخبر .. وبدأَتْ في سَبْق اسمه باللقب الرفيع ؛ دكتور , وملَّ كلُّ أقربائها وأصدقائها من حديثِها "العرضيّ" عن "الدكتور" ( بدر) , وأخبار " الدكتور" ( بدر ) .... ولكنّ هذا لا يعفي " الدكتور" ( بدر ) من تلقي نتائج فعْلتِه ؛ لقد طرح أختَه أرضاً , وعلى مدار النصف ساعة القادمة ستعمل ( بهيّة ) على أن تشكّل استجابة شرطية في ذهنه بين طرح أختِه أرضاً وبين انبعاث الألم من مؤخرتِه ...
مفهوم الاستجابة الشرطية هذه سيكون فيما يدرسه " الدكتور" (بدر) بعد شهورٍ في كلية الطب , تماماً كما درستْه والدتُه عندما كانتْ في مثل سنّه في نفس الكلية ... قبل ثلاثين سنة !
******************
الخبرُ في كلِّ مكانٍ ...
ولكنّ التفاوتَ بين أحوال المستمعين للخبر هائلة ...
هناك من دمَعَتْ عينُه ... وهناك من سجد شكْراً ....
" جيفارا مات ! "
وهناك من لم يبالِ بالموضوع كلِّه ...
ولكنّ شخصاً بعينه كان أكثر اهتماماً ممن سواه بتوابع هذا الخبر , أو للدقة : بتوابع ما قام به تعليقاً على هذا الخبر ...
هناك شخصٌ ينتظر عقاباً موجعاً على يد والده بعد قليلٍ ...
شخصٌ اسمه : ( بهيّة سالم ) ...
- " (بهيّة) ! "
جاء الصوتُ الهادرُ معلناً عن قرْبِ حدوثِ ما كانتْ تخشاه ... فتكوَّرَتْ أكثرَ في فراشِها وتظاهرَتْ بالإعياءِ ؛ لعلّ هذا ينجيها... ولكنّها تعلم أنْ لا شيءَ سينجيها ...
صوتُ أمِّها ينبعث من خارج الغرفة وهي تتوسّل لأبيها " أن يسامح البنت هذه المرة ! " , والأب يردّ بغلظة توحي بأن الأم لو استمرّت في الشفاعة فسيتسع العقاب لاثنين بدلاً من أن يضيق عن واحد ... فيسْكُتُ صوتُ الأمّ ...
بابُ غرفتِها يُفْتَح ... يشير الأبُ لأختِ ( بهيّة ) الكبيرة بأن تخرج من غرفتِهما وتغلق البابَ وراءَها .. أختُ ( بهيّة ) تنظر إليها في مواساة .. ثم تفرّ هاربةً من الغرفةِ التي صارَتْ معزولةً عن العالم الخارجي ... وليس فيها سوى الصائد والفريسة !
الصوتُ الهادرُ يعود مرّةً أخرى :
- " أريد فقط أن أعرف لماذا ؟ "
- " لقد كانتْ مجرّد دعابة , أنا لم أؤمن بحرفٍ مما كتبْتُه ! "
عاد الأبُ يزمجرُ , ورفع ورقةً في يده , وبدأ يقرأ :
( ... عندما تغرق السفينة يغرق قبطانُها معها , ولكنْ عندما تغرق السفينة وينجو القبطانُ , ثم يتظاهر بالاعتذار بينما هو قد جهّزَ مَن يقاطع اعتذارَه ليبايعه ويفدّيه ويدعو له بطول العمر ودوام السيادة ... عندها لا يصح أن يقال : ما علّة تخلفنا وما سبب نكستنا ؟ ... ولنا في موت ( جيفارا ) عبرة؛ ( جيفارا ) القبطان الذي سبق بحّارتَه لحتفه ؛ المناضل الذي ... )
قاطع الأبُ قراءتَه الغاضبة ليتوجه بسؤالٍ ناريّ لابنة الثامنة عشرة المكوّرة في سريرها أمامَه :
- " أتدرين ما الذي كان يمكن أن يحلّ بكِ لو انتشر هذا المنشور ؟! "
جاء الصوتُ المسموع بالكاد :
- " أنا لم أكتبْه لأنشرَه ! "
ويأتي الردّ الذي يصمّ الآذان :
- " فلماذا كتبتِه إذن ؟؟! "
لم يتلقّ ردّاً , إلا هينمة مَنْ هو موشكٌ على البكاءِ , فأضاف :
- " هذه هي ! لطالما كنْتِ فتاةً مؤدبة مبتعدة عن المشاكل , ولكن في الفترة الأخيرة لا أدري ما الذي حدث لكِ .... هل تدرين ما الذي كان ينتظركِ في السجن لو قبض عليكِ بهذا المنشور؟ ... لا ؟ ... حسناً سأعطيكِ فكرةً عمّا نصنعه بالمساجين السياسين ؛ حتى تعلمي خطورةَ ما فعلتِه .... وبما أنّكِ ابنتي فلن " أقسو " عليكِ ... سأكتفي بأقلّ صورة من صور عقاب المسجونين سياسياً ... الآن انهضي من السرير واصعدي للسطح وهاتي خرطوماً من هناك ... ثم سنبدأ الحفلة ! "
- " أبي , أرجوكَ ! لن أكرّرَها مرّةً أخرى ! أرجوكَ ! "
- " صدقيني ما سأفعله بكِ لمصلحتكِ ؛ إن الشباب في سنّك يحسبون الثورة عبثاً يقوم به كلُّ أحد ... ويظنون أن التهجم على القيادات موضة يقلدون بعضهم في فعلِها ... وأنا سأشفيكِ من هذا كلّه ... مع سقوط الخرطومِ على جسدكِ ستنسين كل هذه الدوافع الثورية , وتتفرغين لدراستك وأسرتك ... السطحَ ! "
- " هناك خرطوم تحت السرير ! "
- " ماذا ؟ "
- " لقد توقعتُ أن ينتهي الأمر إلى هذا , وخفْتُ أن يراني أحدٌ في النهار وأنا أجلب الخرطوم من السطح فيخمّن ما يوشك أن يقع , فصعدْتُ ليلة البارحة وجلبْتُه ووضعْتُه تحت السرير ! "
نظر الأبُ في دهشة , وهو يحاول أن يفهم ... كان ما وصل إليه _ بعد جهدٍ _ هو أن ابنته قد تجرّأتْ على كتابة ذلك المنشور ثم أرادَتْ الاعتذار عن فعلِها فوضعَتْه في حيث يراه , وأعدَّتْ آلةَ عقابِها كنوعٍ من الاعتذار وإظهار الأسف ؛ ولكنْ .. إظهار الأسف على ماذا ؟ لو لم يعثرْ هو على تلك الورقة لَمَا عَلِم بشيءٍ , ولانتهى الأمر من قبل أن يبدأ ...
- " لماذا وضعْتِ هذه الورقة على مكتبي ؟! "
فطَنَتْ ( بهية ) إلى أنّ مخطَّطَها على وشك الانكشاف , ماذا سيقول أبوها إذا اكتشف أنها خططتْ لكل هذا ؛ لأنها "راغبة" في أن يعاقبَها ! هذه كارثةٌ ! ثم اهتدَتْ لمخرجٍ ولكنه يبدو كالاستجارة من الرمضاء بالنار , ولكنْ لا سبيلَ آخر :
- " أنت ضابط في الشرطة ! "
- " ثم ؟ "
- " لقد كانتْ هذه ثورة ضباط , وربما صار الوقتُ مناسبًا لثورة ضباطٍ أخرى ! "
اتّسعَتْ عيناه في ذهولٍ , وهو الذي كان يحسبُها تعتذر , فإذا هي " في الواقع " تحاول تجنيدَه .. أيّ نية مسبقة بتخفيف عقابِها قد طارَ بها هذا الاعتراف !
أمسك ساعدَها بغلظة , ورفعها من السرير , ثم قبْل أن تدرك ما يحدث كان قد عرّاها من كل شيءٍ ؛ لو كانتْ قد سجنَتْ بتهمة محاولة تجنيد ضباط , ومحاولة قلْبِ نظام الحكم , لكان هذا أهونَ ما ستمرّ به ... ثم مدّ يده تحتَ السرير فوجد الخرطومَ كما قالَتْ ...
نظرَ في عينيها فوجدها مذعورةً ... فكّر في أنها لم تحسبْ حسابًا لكلِّ هذا , ولكنّه طيشُ الشباب ...
ثمّ رأى أن علاج طيش الشباب متوفّرٌ ويسيرٌ .. وأنه لن ينتهي اليوم حتى تكون قد عولجت به ..
************
- " ( سالم سمير ) ! "
- " أفندم ! "
- " قَسَم الشرطة ! "
تلا ( سالم ) القسم , وتناول الشهادة ...
كان ( سالم ) يتمنى هذه اللحظة طيلةَ حياتِه تقريباً ؛ أن يصير شرطيًّا في شرطة جلالة الملك !
والآن تحقق حلمه ؛ لقد صار لديه مسدسه ورتبته , وزادَتِ الهوّةُ أكثر وأكثر بينه وبين بقية الفلاحين الأميين ؛.... كان يكره هؤلاء كرهاً مقيتاً , ولكنّ فدادين أبيه لن تَزْرَعَ نفسَها ...
وعندما عاد لقصر أبيه استقبله البوّاب بلكنته الغريبة واحتفائه العاميّ , ولم يستطع أن يمنع نفسَه من الإغلاظ له في الرد , ولكنّ البوّاب كان يزداد بالجفاء حفاوةً , كأنه يرى أن كل ما يصدر عن السيّد مقبول ... بل مرغوب فيه ...
كان ( سالم ) غافلاً عن وجود أبيه في شرفة القصة على بعد أمتار منه .. يسمع ردوده الجافية على البوّابِ ... لم يكن ( سمير باشا ) يهتمّ كثيراً بمنْع احتقارِ ابنه للفلاحين , ولكنه كان يرى أنّه لا ينبغي أن يتخلى الباشا ولا ابن الباشا عن رقيّه _ حتى لو كان ذلك أثناء تعاملِه مع فلاح _... ولذلك فقد عزم على تلقينِه درسًا ... وعندما جمعهما العشاءُ تلك الليلة , وبعد أن بارك لابنه الوظيفة الجديدة _ التي كان الباشا يحتقرها سرًّا , ويرى أنها وظيفةٌ منحطةٌ _ سأله عن الحوار الذي سمعه بينه وبين البوّاب صباحاً , فردّ الابن في عدم مبالاة .. ولكنّ الأب ألحّ عليه في تفسير الطريقة التي تكلم بها مع البواب , فجاء جواب ( سالم ) مستغرباً :
- " إنه بوّاب , وليس ابن ذواتٍ .. أعتقد أنه كان مسروراً حتى بتعنيفي له "
- " هو ليس ابن ذواتٍ , ولكنك أنت ابن ذواتٍ , والحوار علاقة بين طرفين ! "
- " ما الذي كان يفترض بي أن أصنعه ؟ أن أكلمه بالإنجليزية ؟! "
كان الباشا يكره الطريقة الساخرة التي يجيبُ بها ابنه على أسئلتِه , ولذا فقد أمضى عزمَه على السير في هذا الطريق حتى النهاية :
- " على ذِكْرِ الإنجليزية , أتعرف أنني حللْتُ ضيفاً على أحد اللوردات الإنجليز في سفري الأخير ؛ اللورد ( بليذن ) , إنه زميل دراسة , لقد حكيْتُ لك عنه ... ومعك حقّ : إن هؤلاء القومَ آيةٌ في الرقيّ والحضارة والأخذ بأسباب المدنية ... ولكنّي كنْتُ دائماً ما أتساءل كيف تُمْنَحُ الحضارة والرفاهية لشخصٍ ما ثم يجد بعد ذلك دافعاً للعمل والاجتهاد والمحافظة على مكانته ومكانة مجتمعِه ... في الواقع لقد شكوتكَ صراحةً للورد ( بليذن ) , وما أنت عليه من استهتار وعدم احترامٍ معي , فكان ردّه الهادئ هو : ما نوع العقاب الذي تستعمله لتأديبِه ؟ ... فظنَنْتُ أنه نَسِي أنك شاب في العشرين , فأخبرْتُه بذلك , فقال إنه يعرف ذلك , ولكنّه لا يزالُ يؤدِّبُ ابنَه وابنتَه وهما تقريباً في نفس السنّ ... وأنه خلافاً لما يعتقد البعض فإن الشاب أو الفتاة يكونان أحوج للعقاب في تلك الفترة , ولكن أولياء الأمور نادراً ما يتنبهون لذلك ... في الواقع لقد أصرّ على أن يريَني بنفسه كيف يعاقب ابنَه _ الذي يبدو أنه فعل ما يستحق العقاب _ أمام عينيّ , وكنْتُ أنا بالطبع محرجاً من ذلك , ولكن أمام إصراره فقد وافقْتُ على دعوتِه تلك , وبعد أن رأيتُ عقابَ ابن اللورد أستطيع أن أقول إن ذلك قد أجاب على سؤالي القديم حول ما يمنع الأشخاص _ خصوصاً الشباب _ من الانجراف إلى اللذائذ والانغماس في الرفاهية بالرغم من توفر أسبابِها لديهم "
نظر ( سالم ) في ضيقٍ إلى والدِه , وقد ساءه ما سمعه , وبدا أنه يعرف إلى أين يتجه هذا الحوار , ولكنّه قرّر أن يسأل على أية حال :
- " ما هو بالضبط العقاب الذي عاقب به اللورد ابنه ؟ "
- " أعتقد أنه من الأفضل أن أريك عمليًّا , بدلاً من أن أشرح لك كلاماً ؛ ففي النهاية إن طريقة كلامك مع البوّاب اليوم ذنبٌ كافٍ موجبٌ للعقوبة ... هل فرغْتَ من تناول طعامِك ؟ "
نظر ( سالم ) في قلقٍ , وهو لا يدري إن كان والده يمزح أم لا , ثم قال :
- " ستريني عمليًّا , الآن ؟ بعد أن أفرغ من طعامي ؟ ألا يمكنك أن تنتظر إلى الغد ؟ "
- " إن مما قاله اللورد ( بليذن ) : إنه كلما تأخر زمان العقوبة عن زمان الذنب , كلما قلَّتْ فاعليّة العقاب , وأعتقد أنني لا أريد أن يكون أول عقابٍ لك عديمَ الفاعليّة !"
- " في الواقع أنا لم أشبع بعد ! "
- " ولن تشبع أبداً , ما دمْتَ تعلم أنّه بعد الشبع يأتي العقاب المستحقّ ... لذا فدعْ لي أنا تقديرَ شبعِكَ الذي أرى أنه تحقق ... وأرى أن هذا هو وقْتُ الانتقال إلى سريرك وانتظاري هناك حتى آتي لأعاقبكَ ! "
كان ( سالم ) لا يصدّق أذنيه ؛ لقد كان يعتقد أن العقابَ سيكون حرماناً من مصروفٍ , أو حتى إذلالاً بطلب تنظيف القصر أو زراعة الأرض , ولكنّ " انتظرني في سريرك حتى آتي لعقابك " هذه لا تتناسب إلا مع شيءٍ واحدٍ ...
- " إن لم تنتقل لسريرك الآن , وترتقِبْ عقابَك عارياً كما ولدتْك المرحومةُ أمُّك ، فسأعاقبك هنا على مرأى ومسمع من الخدم "
كان صوتُ الأب مرتفعاً , وفكّر ( سالم ) أن الجميع قد سمعوا التهديدَ , ولم تفتْه صوتُ الضحكاتِ المكتومة , وخاف إن تأخر في الاستجابة لأمر والده أن يشهد الخدمُ عقابَه صوتاً وصورةً , فهرع إلى سريرِه , وانتظر هناك لوهلة , ثم تذكّر تمام جملة والده فاحمرّ خجلاً , وهو ينزع عنه كل خيط من ملابس ثم يجلسُ على السرير فينضغطُ ردفاه العاريان على الملاءة الباردة ...
وعندما انفتح البابُ بعد دقائق ... توقف قلْبُ ( سالم ) عن النبض لجزء من الثانية وهو ينظر إلى الباب المفتوح... ؛ هذا هو والده لا شك فيه , ولكنّه ليس وحدَه!
*******
- "ستتزوجين من باشا , فماذا يبكيكِ ؟ "
- " إنه كبيرٌ في السن ! "
- " إنه في الخامسة والثلاثين ؛ وهو مع ذلك باشا ! "
- " أنا لا أريد باشا , أنا أريد شخصاً في مثل سنّي ! "
نظرَتْ ( حميدة ) إلى ابنتِها الباكية , وقالتْ :
- " ( صباح ) , يا حبيبتي , إن الزواج ليس كما يصوّر في الروايات ؛ إنه علاقة احترام وتفاهم في المقام الأول , وفارق السن لا يحول دون الاحترام والتفاهم ... ثم إنه .. "
- " باشا , أعرف ! .. وأنا بنت أفندي موظف بسيط , والفارق بين هذين يساوي في عملة السنين خمس عشرة سنة ! "
- " إن لم ترغبي في زواجه , فلا تتزوجيه , ولكنْ لا تتحدثي عن أبيكِ بهذه الطريقة ! "
نظرَتْ إليها ( صباح ) في غضبٍ , وقالَتْ :
- " لماذا لم تتزوجي أنتِ الأخرى باشا , بدلاً من أبي ... فأصيرَ أنا بنت باشا وأتزوج شخصاً لا يكبرني بخمس عشرة سنة ! "
كانتْ ( حميدة ) تحاول إمساكَ أعصابِها , ولكن ( صباح ) دائماً ما كانتْ تنجح في إثارة جنونِها ... اليومَ يتقدم لها باشا , و للمرة الأولى تشعر ( حميدة ) أن هناك فرصة فعليّة لابنتها لترقى السلم الاجتماعي ؛ إن ابنتها تقرأ وتكتب وتجيد الكلام المزوّق ؛ فهي صالحة لحياة القصور .... ولكن الفتاة الطائشة تريد شاباً ممن تقرأ عنهم في تلك الروايات السخيفة ... وتحاول الأم مرةً أخرى أن تسلك مسلكاً عقلانيًّا :
- " لماذا لا تقابلينه بدايةً ثم تقررين فيما بعد إن كنتِ موافقة أم لا ؟ "
- " لسْتُ موافقةً من الآن , فما الداعي للمقابلة ؟ "
- " لعله يعجبكِ ؛ مع السنّ تأتي الحكمة والوقار ! "
- " فليتزوج مَن هي في سنّه إذاً ؛ طلباً للحكمة والوقار ! "
لم تدْرِ ( حميدة ) ما الذي تصنعه بهذه الفتاة , فقالَتْ :
- " على أية حالٍ لقد وافق أبوكِ ؛ فرأيكِ تحصيل حاصل , فبإمكانكِ أن تفرحي بزفافك إلى باشا , وتعيشي حياة هانئةً , أو تجعلي اعتراضاتك البلهاء حائلاً بينك وبين السعادة ؛ الخيار لكِ ! "
- " هذا هو الاختيار ؟! لقد اخترنا لكِ وافرحي _ رغم أنفكِ _ , أو احزني على عدم امتلاكك لأمر نفسكِ ؛ لك الخيار ! بالمناسبة إن المأذون يسأل عن موافقة العروس , وإذا قلْتُ لا فلن يتم العقد ! "
- " سنعقد الزواج بدون مأذون إذن ، ثم هل أنتِ من الحمق بحيث تفعلين ذلك ؟ تردّين كلمةَ أبيكِ بعد أن زوّجَكِ ممن ارتضاه لكِ ؟ "
- " المفروض أن يكون الرضا منّي أنا ! "
- " وما الذي لا يرضيكِ فيه ؟ "
- " إنه في الخامسة والثلاثين ! "
- " أكنْتِ لِتَرْضَيْ به لو كان في الخامسة والعشرين ؟ "
- " نعم ! "
- " ماذا عن الثلاثين ؟ "
- " نحن لا نفاصل في سوق الخميس ! إن خمس عشرة سنة فارق كبيرٌ ! مهما رفعْتِ السعرَ تدريجيًّا فلن أشتري ! "
فطنَتْ أمُّها إلى فكرةٍ مخيفةٍ فسألَتْ :
- " هل هناك شخصٌ آخـ .. "
- " لا ! لا يوجد شخصٌ آخر , أنا لا أخرج من البيتِ ؛ من أين سيأتي شخصٌ آخرُ ؟! كل ما أريده أن أتزوج شخصاً مناسبًا ؛ وليس شيخاً فانياً ! "
- " حدِّقي في عينيّ ! "
كانتْ ( صباح ) تكره هذه الجملة عندما تقولُها أمُّها ؛ قد تكون أمُّها أميّة أو ساذجةً حتى , ولكنّها تستطيع شمّ الكذب من أميال ؛ خصوصاً إن كانَتِ الكاذبةُ ابنتَها ... رفضَتْ ( صباح ) أن تنظر إلى عيني أمِّها , فقالَتْ ( حميدة ) :
- " إن لم يكنِ السببُ وجودَ شخصٍ آخرَ ,وليس ما تظاهرْتِ به من فارق السنّ , فما علة رفضكِ إذًا ؟ ... هل تعتقدين أن إحداهنّ قد سحرَتْكِ أو عانتْكِ ؟ "
- " سحرَتْني حتى لا أتزوج هذا المرفّه ؟ لقد خدمَتْني إذًا ! "
- " هذا هو السبب إذن ؛ المرفّه ! "
- " لا , هذا ليس السببَ ؛ إنها مجرد صفة .. "
- " هذا هو السبب : أنتِ تريدين شخصاً يهزّ بك السريرَ , وليس ... "
- " أمّي !! "
- " هل هذا هو السبب ؟ لماذا لم تصارحيني ؟ "
نظرَتْ ( صباح ) إلى أمِّها في غضبٍ , ثم قالَتْ :
- " حسناً ؛ أنا أريد شخصاً إذا جاء الليلُ عاملني كما تعامل فتياتُ الهوى , فإذا طلع الصباحُ صرْتُ أنا من بناتِ الناس وصار هو من أهلِ الإتيكيت ! "
ابتسمَتْ أمُّها, ثم قالَتْ :
- " صار من أصحاب ماذا ؟ "
ردَّتِ الابنةُ في سخرية :
- " الإتيكيت ؛ إنه لقب لرجال القانون في فرنسا ! "
فأجابَتِ الأم في غبطة بمعرفة ابنتِها الواسعة :
- " فعلاً : العلم نورٌ ! "
شعرَتْ ( صباح ) بالاستياء بمجرّد صدور التعليق البريء من أمِّها ... ثم إن أمَّها فطَنَتْ إلى ما حدث , فقالَتْ :
- " لا علاقة له بالقانون . أليس كذلك ؟ "
- " لا ! إن له علاقة بالأكل والشرب والرقص وأشياء أخرى .. "
- " رقص ؟! "
- " على أية حالٍ ؛ أنا أتفهم أن والدي قد أعطى الرجل .. "
- " الباشا ! "
- " ..الباشا موافقتَه , ولكني لا أرغب في أن أعيش بقية حياتي مقيّدة بقيود اللباقة وسعادتَك وسعادتِك ؛ على الأقل ليس في غرفة النوم ... "
- " سأقاطعكِ هنا لأخبركِ بخبر كان متوقّعاً أن يزهّدكِ في الباشا , ولكنْ : محاسنَ الصدفِ ! "
- " ماذا ؟ "
- " إن الباشا طلّق ثلاث زوجاتٍ من قبل ! "
- " أمن المفترض أن يكون هذا شيئاً جيداً ؟ "
- " عندما سمعْتُ بهذا الخبر للمرة الأولى قلْتُ في نفسي : فلتذهب الباشوية إلى الجحيم , ما دام الرجل مطلاقاً فلن أكون سبباً في كساد سوق ابنتي بزواجها منه ثم طلاقها بعد ذلك وزُهْدِ الرجال فيها ... ثم رأيْتُ أن أسأل عن أخبارِه فعلمْتُ أن زوجاتِه الثلاث الأول كنَّ جميعاً من بنات الشأنِ أو المرفّهاتِ ؛ فكرهْنَ منه ما تمنيْتِه أنتِ , وطلبْنَ الطلاقَ ... ولو لمْ تفاتحيني أنتِ في الموضوع لفاتحْتُكِ أنا فيه ! "
- " ما الذي كرهْنَه بالضبطِ ؟ "
- " ما يصنعه رجالُنا البسطاء بنا منذ بدء الخليقة ؛ أنْ يُشْعِرَ الرجلُ المرأةَ بأنوثتِها ! "
تورّد خدّا ( صباح ) فقرَّرَتِ الأم أن تتمادى :
- " لا يصحّ مثلاً أن يفاجئ الرجلُ زوجتَه وهي ترتدي ملابسِها , فيصنع مثلما يصنع هؤلاء المخنّثون المتأنقون فيتنحنح ويطلب المعذرة وينسحب ، بل عليه أن يستمتع بما هو حقّه , فيقبض على هذا ويضرب على ذاك ... "
- " أمي !!! "
- " أنا لا أفهم كيف يعيش هؤلاء الباشوات حياتَهم بهذه الطريقة , ولكنْ بما أنّ هذا الباشا بالذات لم يفقد عقلَه في المسائل الزوجية , ولا يزال يرغبُ فيما نرغب نحن فيه , فأنا لا أرى داعيًا لردِّه بعد أن وافق عليه أبوكِ . أليس كذلك ؟ "
- " حسناً ... إنني لا زلْتُ بحاجةٍ إلى أن أقابلَه أولاً ! "
تجاهلَتِ الأمّ تعليق ابنتِها _ فقد أدركَتْ من نغمة كلامِها أنها قد وافقتْ سلفًا _ وأضافَتْ :
- " وبذا يبقى لنا موضوعٌ آخرُ : لقد رفضْتِ مصارحتي بعلة رفضكِ للباشا , وظللْتِ تلفين وتدورين ... ثم هزأتِ بأمِّك البسيطة غير المتعلمة وجعلْتِ الكتاكيت تدخل في القانون .. "
ضحكَتْ ( صباح ) رغمًا عنها , فأضافَتْ أمُّها :
- " من حسن الحظ أنّ القصص التي أذاعتْها طليقاتُ زوجك المقبل قد شملَتْ شيئاً صالحاً لأن يكون عقاباً لكِ على ما فعلتِه قبل قليلٍ ! "
نظرَتْ ( صباح ) في دهشةٍ لأمها , فأضافَتْ الأم :
- " وفقًا لما بلغني من تلك القصص : فعندما تشغبين على زوجك في المستقبل , فإنه سيصنع بكِ آنذاكَ ما سأفعله بكِ الآن .. مع خلافٍ في الدافع بالطبعِ ؛ هو يريد منك ما يريده الرجل من زوجتِه بالإضافة لتأديبك , وأنا لا أريد سوى تأديبِك ! والآن انزعي ملابسَكِ ! "
- " عندما يؤدبني سيطلب مني أن أنزع ملابسي ؟ "
- " هل بدأ خيالُكِ في التحليق من الآن ؟ وفقاً لروايات المطلقات ؛ فإنه يصرّ على نزعِها بنفسه "
كانتْ ( صباح ) تتمنى أن تنفرد بنفسِها لتنشغل بتصوّر المشهد , وما ينشأ عن تصّور المشهد ... ولكنّ أمَّها كانتْ مصرّة على معاقبة ابنتها " طويلة اللسان " في التوّ ..وبدأتْ تمدّ يدَها تجاه ملابس ابنتِها , فقالتْ ( صباح ) :
- " مهلاً .. مهلاً ... دعينا نفكِّرْ عقلانيًّا في الأمر ... لقد أوصلْتِ فكرتَكِ .. كان ينبغي أن أصارحَكِ ... لا حاجةَ الآن لهذا العقاب ! "
- " إن العقابَ لم يبدأ بعد يا طفلتي ! "
كانتْ ( حميدة ) قد رفعَتْ عباءة ( صباح ) حتى وصلَ ذيلُها إلى ذراعي ( صباح ) , فأثارَتْ الحركةُ أشجاناً قديمة لديهما جميعاً ... وابتسَمَتْ ( حميدة ) وهي تقول :
- " آخر مرّة قمْتُ فيها بهذا الفعلِ , كنْتِ تشتكين من أن الماء سيكون بارداً وأنّكِ لسْتِ بحاجة للاستحمام ! ... ارفعي ذراعيكِ ! "
أطاعَتِ البنتُ طلبَ أمِّها , ثمّ قرَّرَتْ أن تلعبَ الدور :
- " ولكنّ الماء بالفعل باردٌ , وأنا أكره الاستحمام ! "
كانتِ العبارةُ مألوفةً في أذن ( حميدة ) , ولكن الصوتَ قد تغيّر والجسد قد تغيّر ؛ وإن كانَتِ الشقاوةُ على حالِها ...
وعندما أكمَلَتْ ( حميدة ) تعريةَ ابنتِها , جرَّتْها فاسْتَجْرَرَتْ لها , فبلغا سريرَ البنتِ فجلسَتِ الأمّ وأجلسَتِ ابنتَها في حجرِها مستقبلةً الأرضَ بوجهها , وعاليةً مؤخرتُها في السماء , وقد حاكى لونُ خدّيها ما يوشك أن يتلوّن به ردفاها ..
وكانتْ ( صباح ) منشغلة بخجلها من الموقف , ولكنّ شهقة بكاءٍ قد أعادَتِ انتباهها إلى أمِّها , فأدارَتْ رأسَها لتنظر إليها , فوجدَتْها تبكي , ولم يكنْ يخفى على ( صباح ) الدافعَ , ولكنّها قالَتْ :
- " لِنأملْ ألا يرى زوجي فيّ ما يبكيه هو الآخر ! "
فضحكَتْ ( حميدة ) , وقرَّبَتْ يديها من بعضهما وكأنها تحاول أن توصل المعنى بالإشارة لأن الدموع تمنعها من الكلام , ففسَّرَتْ ( صباح ) حركتَها :
- " لقد كنْتُ _في يومٍ ما_ بهذا الحجم الذي تشيرين إليه بيديكِ... هذا هو ما يبكيكِ ؟ "
هزّتْ ( حميدة ) رأسَها قبولاً , فأضافَتْ ( صباح ) :
- " وما زاد فيّ طولاً في تلك الفترة , زاد فيكِ عرضاً , فكلانا قد تغيّر ! "
بعض الأشخاص لا يوجد لديهم أدنى إحساس بالمتغيّرات الخارجية وضرورة التواءم معها ؛ لقد كانت ( صباح ) معتادةً على هذه المداعبات مع أمِّها , ولكنها ستكتشف قريباً جدًّا أن هناك فارقاً بين أن تتحامق على أمِّها وهما جالستان كاسيتان يتناولان الطعام , وبين أن تفعل ذلك وهي ممددة عريانة ومؤخرتها قد صارَتْ دعوةً مفتوحةً لكفّ أمها لتقلنها درساً ...
فارق ضخم بين الحالتين , فارق شديد الاحمرار وشديد الألم .. وشديد القدرة على تذكير الشخص بما فعله في كل مرة يحاول أن يجلس فيها !
**************
2- كان وشيكاً , فوقع !
___________________________________